الوعي واللاوعي
الوعي هو إدراك الواقع والأشياء، وبدون الوعي يستحيل معرفة أي شيء، فهو " الحدس الحاصل للفكر بخصوص حالاته وأفعاله" . فهو بمثابة " النور" الذي يكشف الذات عن بواطنها. أما اللاوعي فهو يدل إلى حد ما على الشيء والمتقابل مع الوعي. وهنا يمكن الحديث عن لا شعور نفسي، باعتبار ان السلوك اللاواعي أو الذي يصبح لا واعيا، واقعة نفسية.
انطلاقا من هذا التحديد يمكن صوغ التساؤلات التالية:
ما هو الوعي؟ وما شكل هذا الوعي؟ هل هو وعي بسيط ومباشر أم غير ذلك؟ و ما علاقة الوعي باللاوعي؟ وهل يكفي أن نكون على وعي لمعرفة أنفسنا؟ هل الوعي هو أساس حياتنا الواقعية/، أم الوهم هو الأصل؟
1- مشكلة الوعي:
الإدراك الحسي والشعور: برتراند راسل
ربط برتراند راسل بين الوعي والمدركات الحسية ، ولا يمكن فصله عن مثيرات العالم الخارجي، لكونه عبارة عن ردود أفعال الإنسان اتجاه وسطه. فالوعي مرتبط بمدى إدراكنا للوجود الذاتي فنكتشفه داخل دواتنا وعواطفنا، وتحصل هذه العملية بواسطة الاستبطان الذي يساعد على فهم علاقة الذات الواعية بمحيطها الخارجي، وبالتالي فالشرط الأساس لقيام الوعي وكل معرفة حسب راسل إنما يتم عبر إدراك الوجود الذاتي للإنسان عن طريق الاستبطان، لأن الوعي ميزة وليس فقط مجرد رد فعل اتجاه العالم الخارجي او انه فقط إدراك حسي له.
ما الوعي وهل يمكن تعريفه؟ : هنري برغسون
يربط برغسون بين الوعي والذاكرة، لكونه امتداد نحو الماضي وتراكم نحو الحاضر واستباق في الوقت ذاته واستشراف نحو المستقبل، إنه استمرار للذات وللأشياء في صيرورتها وديمومتها. فعندما نفكر في أي لحظة نجد هذا الفكر يهتم بالحاضر ويتجاوز هذا الحاضر نحو المستقبل الذي يجعل الفكر يتقدم باستمرار دون انقطاع في الزمن . فالوعي صيرورة وحركة وصلة وصل بين ما كان وما سيكون.
وبالتالي فشرط وجود الوعي عند برغسون هو وجود الذاكرة واستقراره فيها ليصبح انفتاحا على الحاضر والمستقبل في الآن ذاته.
هل الحس شرط لقيام الوعي بموضوعات العالم؟ابن رشد
لا يخرج ابن رشد عن نسق أرسطو الذي يربط الإدراك بالحس ويعتبر ان الحس شرط أولي لقيام كل معرفة ووعي بموضوعات العالم الخارجي على خلاف موقف راسل الذي يعتمد على الاستبطان بدل منهج الاستقراء في إدراك العالم ، فالإدراك الحسي حسب ابن رشد هو شرط حصول الوعي بموضوعات العالم الخارجي، فلا وعي بدون إدراك حسي، وكل من نقصه الحس نقصه العلم .
يتبع..